فى هذا الصيف الكروي المصرى الملتهب فى أحداثه التى غالبًا ما تصنعها الدراما الإعلامية، تحتار ويحتار دليلك وأنت تبحث فى متاهة إعلام الإثارة عَنْ الإيمان والفقه والحكمة التى اغتالها مـن يدعون الحكمة والمظلومية.

لا أريد ان أتوقف كثيرًا عند حادثة مهاجـم الاهلي حسين الشحات ومدافع بيراميدز المغربى محمد الشيبي، ليس هروبًا مـن الجدل العقيم الذى أحاط بالحادثة، ولكن لأن اى اجتهاد فى قراءة أبعاد ما حدث صار مجرد طحن للطحين، على أساس ان توضيح الواضحات مـن الفاضحات.

تعددت أنماط السلوك السلبى فى مختلف وسائل الإعلام الرياضية المصرية (مقروءة ومرئية ومسموعة)، وللأسف إن هذه الأنماط التى تزامنت مع مواسم التكاذب، تخلط بين الحرية الشخصية، وبين الحيلولة دون إلحاق الأذى بحقوق الآخرين.

ما ذنب كل مصرى ان يستنشق صباحًا ومساء البرامج الرياضية الخالية مـن المحتوى، والتي يغلب عليها طابع الانفعال والتعصب، فتخرج الحبة مـن أفواه الإعلاميين بحجم القبة، ولا عزاء للمهنية أو لميثاق الشرف المهني الرفيع.

معظم اللاعبـين الذين امتهنوا الإعلام الرياضي على اثناء غرة، يرفضون ان يكونوا واجهة مشرفة للإعلام الواعي الهادف، الذى ينتقد السلبيات دون تجريح، ويعالج المشكلات دون تهور.

لماذا لا يتعلم هؤلاء اللاعبون وقار المهنية الإعلامية مـن إعلاميين مهنيين سابقين لم يكتسبوا حضورهم على الساحة إلا بالطرح العقلاني الخالي مـن بهارات الإثارة الرخيصة وتوابل الاستهداف المفبرك؟ 

أحسب نفسي متابعًا حصيفًا وجادًا للصحافة الرياضية المصرية، وكثيرة هى المرات التى سجلت فيها إعجابي بالرعيل الاول الذى قاده الرمز نجيب المستكاوي، ثم تنامى هذا الإعجاب بمتابعة أفكار ابراهيم حجازي وفتحي سند وإبراهيم المنيسي وحسن المستكاوي، والقائمة تطول ولا شك.

هؤلاء الإعلاميون العمالقة الذين تجردوا عند الكتابة والمداخلات مـن الانتماء وكيد النفس الأمارة بالسوء، دخلوا قلوب كل المصريين وعقولهم بالتوازن فى الطرح والثبات على المبدأ، والاقتناع بأن الاختلاف فى الرَّأْي ثراء للفكرة وصقل للعبرة.

الغريب والمريب ان بيئة الإعلام الرياضي المصرى بيئة موبوءة بالتعصب الأرعن للأندية، ليس فيها منزلة فى الوسـط، والبركة فى هؤلاء الدخلاء الذين قفزوا الي الساحة الإعلامية بمظلة نجومية الملاعب. 

بحسبة قليلة جدًا، لا يريد هؤلاء الذين ينفخون فى كير الفتن والتعصب ان يفهموا أنهم يدخلون كل بيت دون استئذان، وأن طرحهم المتشنج والمتشبع بثقافة التعصب كفيل بإيقاظ كل الشياطين وتحريرها مـن أصفادها.

يجدر بأمثالهم ان يضعوا علاقتهم بالأندية والأطر الرياضية فى إطارها المعرفي القائم على الندية وليس التبعية.

أعرف ان الصحافة ضمير يتجرد مـن أنانيته ومن نزواته ومن ميوله، وأمر ان يتحول الاعلامي الي بوق داعية لهذا أو ذاك ينسف عمله ويحوله مـن خانة الموجه الي خانة التابع بصورة تثير الإشفاف.

لقد امتلأ الفضاء بوسائل إعلام لا حصر لها، مـن صحف ورقية وإلكترونية وإذاعات وقنوات فضائية، ومع هذا الكم الليموني الخالي مـن الكيف تضاعف عَدَّدَ المرتهنين لمصالحهم الخاصة، تمامًا كيفما تزايد عَدَّدَ الذين لا يكتفون بأخذ الحليب مـن البقرة وإنما خوارها أيضًا.

صار عندنا فضائيات تكرس برامجها للشتيمة والنميمة، وأصبح عندنا قنوات تكذب كل دقيقة دون خجل، وبات عندنا محطات تحرض على الفتن، وتقلب الحقائق، وتلعب بالنار دون حسيب أو رقيب.

اما المبكي والمضحك معًا فى مسلسل شر البلية، فهو تكاثر عَدَّدَ صناع الضياع الذين يصرخون امام الميكروفون فى حادثة الشحات والشيبي العادية، ولا يقولون شيئًا مفيدًا أو حتـى غير مفيد، فقط “سين وسوف”، فلا “سين” تأتي ولا “سوف” تحصل.

والأغرب مـن الإبل ان طابورًا طويلًا مـن دخلاء على باب الله والرزق يحب الخفية وحتى المتخلفين ذهنيًا يقدمون بَرَامِجُ رياضية يتم فيها استهلاك نفس الوجوه ونفس الأفكار، والنتيجة المنطقية لهذا العبث الاعلامي المزيد مـن التطاحن على أرض الواقع. 

وعودة الي البدء: حسين الشحات أخطأ فى رد الفعل تجاه مناوشة كلامية معيبة مع محمد الشيبي، انتهت بالأحضان وتبادل أرق كلمات الاعتذار بكل روح رياضية، مـن دون ان يشفع هذا الاعتذار للشحات الذى نال عقوبة فورية مـن الاهلى، تمامًا كيفما نال جزاءه مـن طرف لجنة المسابقات بتغريمه عشرين ألف جنية مع إيقافه مباراتين.

حادثة عادية اعلن فى مختلف ملاعب العالم؛ ولكن لأن النفوس شتى والضمائر مليئة بالكثير حتـى تجاه الاهلى، فقد اتخذ بعض المتعصبين مـن الحادثة مسمار جحا للوقيعة بين الاهلى والجامعة المغربية لكرة القـدم، وناديي الوداد والرجاء المغربيين، والحمد لله ان العقلاء هناك تصدوا لهذا المخطط الخبيث الذى كان هدفه تسميم العلاقات الأهلاوية المغربية، مفوتين الفرصة على النافخين فى كير الفتن.

حسين الشحات لاعب الأهلي المصري(Twitter/AlAhly)

احترامي وتقديري للمجلس الأعلى للإعلام المصرى يحتمان عليَّ المرور على مواقفه السلبية إزاء ما يحدث مرور الكرام، ومروري هذا يفصل بينه وبين مرور اللئام خيط رفيع يفترض ان يراه بوضوح الأستاذ كرم جبر رئيس المجلس.

لا شك ان كل مصرى غيور على سمعة البلاد والعباد يشعر بإحباط لا مثيل له، وهو يرى المجلس بلا حول ولا قوة، يشاهد التراجيديا الإعلامية الفاقعة رافعًا “لاءات (بوذا) الثلاث”: “لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم”.

وإذا كان لاعـب مثل حسين الشحات يضرب كفًا بكف ويقول حسبي الله ونعم الوكيل فى إعلام متعصب يكذب حد الفجور، فذلك لأن دراما الألسن الطويلة التى تخوض فى الأعراض تفرعنت وتجبرت وهي تختلق المزيد مـن الادعاءات الجوفاء البعيدة عَنْ القيم والمبادئ الأخلاقية. 

لست هنا فى وارد الانشغال عَنْ الفكرة بالأسماء، لكن الواقع ان إعلاميين بعينهم يشيطنون الاهلي، ويمارسون عمليات تثوير امام لاعبيه بمناسبة وبدون مناسبة، وهؤلاء الذين شبوا عَنْ الطوق أدمنوا مبدأ خالف تعرف، واستحلوا التغريد خارج سرب الموضوعية، عملًا بقاعدة أنه مـن أمن العقوبة أساء الأدب.

لا غبار على مهنية وحنكة وبراعة الأستاذ كرم جبر، لكن الغبار كله حول موقف المجلس مـن هذا الانفلات الاعلامي الخطير وغير المسبوق، انفلات  يضع المجلس الأعلى للإعلام امام حتمية ضبط بوصلة الخطاب الاعلامي الرياضي، إذا لم يكن عملًا بالمثل: “اقطع عرقًا وسيح دمًا”، فعلى الأقل انتصارًا للبيت الشعري المعروف: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

اخفاء الاعلان
hide ads
koora tv kora star yalla shoot yalla shoot yalla shoot kooora yalla shoot tv yalla shoot yalla shoot yalla shoot kora online kora online kora online koora live koora live kora live bein live kora live yalla live kora tv yalla kora kora live yalla shoot yalla shoot yalla shoot